فصل: فصل: إن قال‏:‏ أنت طالق -إن شاء الله تعالى- طلقت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

فإن قال لأربع‏:‏ إن حضتن فأنتن طوالق فقلن‏:‏ قد حضنا فصدقهن‏,‏ طلقن وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لأن شرط طلاقهن حيض الأربع ولم يوجد وإن صدق واحدة أو اثنتين‏,‏ لم تطلق واحدة منهن لأنه لم يوجد الشرط وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حيضها‏,‏ وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت‏,‏ ولا يطلق المصدقات لأن قول المكذبة غير مقبول في حقهن‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال لهن‏:‏ كلما حاضت إحداكن أو أيتكن حاضت فضراتها طوالق فقلن‏:‏ قد حضنا‏,‏ فصدقهن طلقت كل واحدة منهن ثلاثا ثلاثا وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن وإن صدق واحدة‏,‏ طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة ولم تطلق هي لأنه لم يثبت حيض ضرة لها وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة من المصدقتين طلقة طلقة لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة‏,‏ وطلقت كل واحدة من المكذبتين طلقتين وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين طلقتين‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال لطاهر‏:‏ إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم في وقت يمكن أن يكون حيضا‏,‏ حكمنا بوقوع الطلاق كما يحكم بكونه حيضا في المنع من الصلاة وغيرها مما يمنع منه الحيض وإن بان أنه ليس بحيض لانقطاعه لدون أقل الحيض‏,‏ بان أن الطلاق لم يقع وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي قال ابن المنذر‏:‏ لا نعلم أحدا قال غير ذلك إلا مالكا فإن ابن القاسم روي عنه‏,‏ أنه يحنث حين تكلم به وقد سبق الكلام معه في هذا وإن قال لحائض‏:‏ إذا حضت فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض ولو قال لطاهر‏:‏ إذا طهرت فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر وهذا يحكي عن أبي يوسف وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ الذي يقتضيه مذهب الشافعي أنها تطلق بما يتجدد من حيضها وطهرها في المسألتين لأنه قد وجد منها الحيض والطهر فوقع الطلاق لوجود صفته ولنا أن إذا اسم زمن مستقبل‏,‏ يقتضي فعلا مستقبلا وهذا الحيض والطهر مستدام غير متجدد ولا يفهم من إطلاق‏:‏ حاضت المرأة وطهرت إلا ابتداء ذلك‏,‏ فتعلقت الصفة به ولو قال لطاهر‏:‏ إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر نص عليه أحمد لأنه لا توجد حيضة كاملة إلا بذلك ولو قال لحائض‏:‏ إذا طهرت فأنت طالق طلقت بأول الطهر وتطلق في الموضعين بانقطاع دم الحيض قبل الغسل نص عليه أحمد في رواية إبراهيم الحربي وذكر أبو بكر‏,‏ في ‏"‏ التنبيه ‏"‏ فيها قولا أنها لا تطلق حتى تغتسل بناء على أن العدة لا تنقضي بانقطاع الدم حتى تغتسل ولنا‏,‏ أن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏ولا تقربوهن حتى يطهرن‏}‏ أي‏:‏ ينقطع دمهن ‏{‏فإذا تطهرن‏}‏ أي‏:‏ اغتسلن ولأنه قد ثبت لها أحكام الطاهرات في وجوب الصلاة وصحة الطهارة والصيام وإنما بقي بعض الأحكام موقوفا على وجود الغسل ولأنها ليست حائضا فيلزم أن تكون طاهرا لأنهما ضدان على التعيين‏,‏ فيلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال لها‏:‏ إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة طلقت واحدة‏,‏ فإذا حاضت الثانية طلقت الثانية عند طهرها منها وإن قال إذا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق لم تطلق الثانية حتى تطهر من الحيضة الثالثة لأن ثم للترتيب‏,‏ فتقتضي حيضتين بعد الطلقة الأولى لكونهما مرتبتين عليها‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق طلقت إذا ذهب نصف الحيضة وينبغي أن يحكم بوقوع الطلاق إذا حاضت نصف عادتها‏,‏ لأن الأحكام تعلقت بالعادة فيتعلق بها وقوع الطلاق ويحتمل أنه لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يمضي سبعة أيام ونصف لأننا لا نتيقن مضى نصف الحيضة إلا بذلك إلا أن تطهر لأقل من ذلك‏,‏ ومتى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصف الحيضة وقيل‏:‏ يلغو قوله‏:‏ نصف حيضة ويبقى طلاقها معلقا بوجود الحيض والأول أصح فإن الحيض له مدة أقلها يوم وليلة وله نصف حقيقة‏,‏ والجهل بقدر ذلك لا يمنع وجوده وتعلق الحكم به كالحمل‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال لامرأتيه‏:‏ إذا حضتما حيضة واحدة‏,‏ فأنتما طالقتان لم تطلق واحدة منهما حتى تحيض كل واحدة منهما حيضة واحدة ويكون التقدير‏:‏ إن حاضت كل واحدة منكما حيضة واحدة فأنتما طالقتان كقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فاجلدوهم ثمانين جلدة‏}‏ أي‏:‏ اجلدوا كل واحد منهم ثمانين ويحتمل أن يتعلق الطلاق بحيض إحداهما حيضة لأنه لما تعذر وجود الفعل منهما‏,‏ وجبت إضافته إلى إحداهما كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان‏}‏ وإنما يخرج من أحدهما وقال القاضي‏:‏ يلغو قوله‏:‏ حيضة واحدة لأن حيضة واحدة من امرأتين محال فيبقى كأنه قال‏:‏ إن حضتما فأنتما طالقتان وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي‏,‏ والوجه الآخر لا تنعقد هذه الصفة لأنها مستحيلة فتصير كتعليق الطلاق بالمستحيلات والوجه الأول أولى لأن فيه تصحيح كلام المكلف بحمله على محمل سائغ‏,‏ وتبعيد لوقوع الطلاق واليقين بقاء النكاح فلا يزول حتى يوجد ما يقع به الطلاق يقينا‏,‏ وغير هذا الوجه لا يحصل به اليقين فإن أراد بكلامه أحد هذه الوجوه حمل عليه وإذا ادعى ذلك‏,‏ قبل منه وإذا قال‏:‏ أردت أن تكون الحيضة الواحدة منهما فهو تعليق للطلاق بمستحيل فيحتمل أن يلغو قوله‏:‏ حيضة ويحتمل أن لا يقع الطلاق لأن هذه الصفة لا توجد‏,‏ فلا يوجد ما علق عليها ويحتمل أن يقع الطلاق في الحال ويلغو الشرط‏,‏ بناء على ما ذكرناه في تعليق الطلاق على المستحيل‏.‏

فصل‏:‏

وإذا كان له أربع نسوة فقال‏:‏ أيتكن لم أطأها فضرائرها طوالق وقيده بوقت‏,‏ فمضى الوقت ولم يطأهن طلقن ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث ضرائر غير موطوءات وإن وطئ ثلاثا وترك واحدة لم تطلق المتروكة لأنها ليست لها ضرة غير موطوءة‏,‏ وتطلق كل واحدة من الموطوآت طلقة طلقة وإن وطئ اثنتين طلقتا طلقتين طلقتين وطلقت المتروكتان طلقة طلقة وإن وطئ واحدة طلقت ثلاثا وطلقت كل واحدة من المتروكات طلقتين طلقتين وإن لم يقيده بوقت‏,‏ كان وقت الطلاق مقيدا بعمره وعمرهن فأيتهن ماتت طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة وإذا ماتت أخرى فكذلك‏,‏ وإن مات هو طلقن كلهن في آخر جزء من حياته‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ إن لم تكوني حاملا فأنت طالق ولم تكن حاملا طلقت وإن أتت بولد لأقل من ستة أشهر من حين اليمين أو لأقل من أربع سنين‏,‏ ولم يكن يطؤها لم تطلق لأنا تبينا أنها كانت حاملا بذلك الولد وإن مضت أربع سنين ولم تلد تبينا أنها طلقت حين عقد اليمين وإن كان يطؤها‏,‏ وأتت بولد لأكثر من ستة أشهر وأقل من أربع سنين نظرت فإن ظهرت علامات الحمل من انقطاع الحيض ونحوه‏,‏ قبل وطئه أو قريبا منه بحيث لا يحتمل أن يكون من الوطء الثاني‏,‏ لم تطلق وإن حاضت أو وجد ما يدل على براءتها من الحمل طلقت وإن لم يظهر ذلك واحتمل أن يكون من الثاني ففيه وجهان أحدهما‏,‏ تطلق لأن الأصل عدم الحمل قبل الوطء والثاني لا تطلق لأن اليقين بقاء النكاح فلا يزول بشك واحتمال‏,‏ ولا يجوز للزوج وطؤها قبل الاستبراء لأن الأصل عدم الحمل ووقوع الطلاق والاستبراء ها هنا بحيضة فإن وجدت الحيضة على عادتها‏,‏ تبينا وقوع طلاقها وإن لم تأت في عادتها كان ذلك دليلا على حملها وحل وطئها وإن قال‏:‏ إن كنت حاملا فأنت طالق فهي عكس المسألة التي قبلها‏,‏ ففي الموضع الذي يقع الطلاق ثم لا يقع ها هنا وفي الموضع الذي لا يقع ثم يقع ها هنا إلا أنها إذا أتت بولد لأكثر من ستة أشهر‏,‏ من حين وطء الزوج بعد اليمين ولأقل من أربع سنين من حين عقد الصفة لم تطلق لأن تعين النكاح باق‏,‏ والظاهر حدوث الولد من الوطء لأن الأصل عدمه قبله ولا يحل له الوطء حتى يستبرئها نص عليه أحمد قال القاضي‏:‏ يحرم الوطء سواء قلنا‏:‏ الرجعية مباحة أو محرمة لأنه يمنع المعرفة بوقوع الطلاق وعدمه وقال أبو الخطاب‏:‏ فيه رواية أخرى لا يحرم الوطء لأن الأصل بقاء النكاح‏,‏ وبراءة الرحم من الحمل وإذا استبرأها حل وطؤها على الروايتين ويكون الاستبراء بحيضة قال أحمد في رواية أبي طالب‏:‏ إذا قال لامرأته‏:‏ متى حملت فأنت طالق لا يقربها حتى تحيض‏,‏ فإذا طهرت وطئها فإن تأخر حيضها أريت النساء من أهل المعرفة فإن لم يوجدن أو خفي عليهن‏,‏ انتظر عليها تسعة أشهر غالب مدة الحمل وذكر القاضي فيها رواية أخرى أنها تستبرأ بثلاثة قروء ولأنه استبراء الحرة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والصحيح ما ذكرناه لأن المقصود معرفة براءة رحمها وقد حصل بحيضة‏,‏ ولهذا قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة‏)‏ يعني‏:‏ تعلم براءتها بحيضة ولأن ما يعلم به البراءة في حق الأمة والحرة واحد لأنه أمر حقيقي لا يختلف بالحرية والرق وأما العدة‏,‏ ففيها نوع تعبد لا يجوز أن يعدى بالقياس وهل تعتد بالاستبراء قبل عقد اليمين أو بالحيضة التي حلف فيها‏؟‏ على وجهين أصحهما الاعتداد به لأنه يحصل به ما يحصل بالاستبراء بعد اليمين والثاني‏,‏ لا يعتد به لأن الاستبراء لا يتقدم على سببه ولأنه لا يعتد به في استبراء الأمة قال أحمد إذا قال لامرأته‏:‏ إذا حبلت فأنت طالق يطؤها في كل طهر مرة يعني إذا حاضت ثم طهرت حل وطؤها لأن الحيض علم على براءتها من الحمل ووطؤها سبب له‏,‏ فإذا وطئها اعتزلها لاحتمال أن تكون قد حملت من وطئه فطلقت به‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال‏:‏ إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة‏,‏ وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما كانت حاملا به وقت اليمين تبينا أنها طلقت واحدة حين حلف وانقضت عدتها بوضعه وإن ولدت أنثى‏,‏ طلقت بولادتها طلقتين واعتدت بالقروء وإن ولدت غلاما وجارية وكان الغلام أولهما ولادة‏,‏ تبينا أنها طلقت واحدة وبانت بوضع الجارية ولم تطلق بها‏,‏ وإن كانت الجارية أولهما ولادة طلقت ثلاثا واحدة بحمل الغلام واثنتين بولادة الجارية‏,‏ وانقضت عدتها بوضع الغلام وإن قال لها‏:‏ إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بجارية فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية‏,‏ طلقت ثلاثا وإن قال‏:‏ إن كان حملك غلاما فأنت طالق واحدة وإن كان حملك جارية فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية لم تطلق لأن حملها كله ليس بغلام ولا هو جارية ذكره القاضي‏,‏ في ‏"‏ المجرد ‏"‏ وأبو الخطاب وبه قال الشافعي وأبو ثور‏,‏ وأصحاب الرأي وقال‏:‏ القاضي في ‏"‏ الجامع ‏"‏‏:‏ في وقوع الطلاق وجهان بناء على الروايتين في من حلف‏:‏ لا لبست ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه من غزلها‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثا دفعة واحدة‏,‏ طلقت ثلاثا لأن صفة الثلاث وجدت وهي زوجة وإن ولدتهم في دفعات من حمل واحد طلقت بالأولين وبانت بالثالث‏,‏ ولم تطلق ذكره أبو بكر وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عنابن حامد أنها تطلق لأن زمان البينونة زمن الوقوع ولا تنافي بينهما ولنا‏,‏ أن العدة انقضت بوضع الحمل فصادفها الطلاق بائنا ولم يقع كما لو قال‏:‏ إذا مت فأنت طالق وقد نص أحمد‏,‏ في من قال‏:‏ أنت طالق مع موتي أنها لا تطلق فهذا أولى وإن قال‏:‏ إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة طلقت ثلاثا وإن ولدتهما في دفعتين‏,‏ وقع بالأول ما علق عليه وبانت بالثاني ولم يقع به شيء‏,‏ إلا على قول ابن حامد فإن أشكل الأول منهما أو كيفية وضعهما طلقت واحدة بيقين‏,‏ ولا تلزمه الثانية والورع أن يلتزمها وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وقال القاضي‏:‏ قياس المذهب أن يقرع بينهما وإن قال‏:‏ إن كان أول ما تلدين ذكرا فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة‏,‏ لم يقع بها شيء لأنه لا أول فيهما فلم توجد الصفة وإن ولدتهما في دفعتين وقع بالأول ما علق عليه‏,‏ ولم يقع بالثاني شيء‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال لامرأته‏:‏ إن كلمتك فأنت طالق ثم أعاد ذلك ثانية طلقت واحدة لأن إعادته تكليم لها وشرط لطلاقها فإن أعاده ثالثة‏,‏ طلقت ثانية إلا أن يكون غير مدخول بها فتبين بالأولى ولا يلحقها طلاق ثان‏,‏ وإن أعاده رابعة طلقت الثالثة وإن قال‏:‏ إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي ذلك‏,‏ أو فتحققي ذلك حنث لأنه كلمها بعد عقد اليمين إلا أن ينوي كلاما مبتدأ وإن زجرها‏,‏ فقال‏:‏ تنحي أو اسكتي أو اذهبي حنث لأنه كلام وإن سمعها تذكره فقال‏:‏ الكاذب عليه لعنة الله حنث نص عليه أحمد لأنه كلمها وإن كلمها وهي نائمة‏,‏ أو مغلوبة على عقلها بإغماء أو جنون لا تسمع أو بعيدة لا تسمع كلامه‏,‏ أو صماء بحيث لا تفهم كلامه ولا تسمع أو حلف لا يكلم فلانا فكلمه ميتا‏,‏ لم يحنث وقال أبو بكر يحنث في جميع ذلك لقول أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها‏؟‏ ولنا أن التكلم فعل يتعدى إلى المتكلم وقد قيل‏:‏ إنه مأخوذ من الكلم‏,‏ وهو الجرح لأنه يؤثر فيه كتأثير الجرح ولا يكون ذلك إلا بإسماعه فأما تكليم النبي -صلى الله عليه وسلم- الموتى‏,‏ فمن معجزاته فإنه قال‏:‏ ‏(‏ما أنتم بأسمع لما أقول منهم‏)‏ ولم يثبت هذا لغيره وقول أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها‏؟‏ حجة لنا‏,‏ فإنهم قالوا ذلك استبعادا أو سؤالا عما خفي عنهم سببه وحكمته حتى كشف لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- حكمة ذلك بأمر مختص به‏,‏ فيبقى الأمر في حق من سواه على النفي وإن حلف‏:‏ لا كلمت فلانا فكلمته سكران حنث لأن السكران يكلم ويحنث وربما كان تكليمه في حال سكره أضر من تكليمه في صحوه‏,‏ وإن كلمته سكرانة حنث لأن حكمها حكم الصاحي وإن كلمته‏,‏ وهو صبي أو مجنون يسمع ويعلم أنه مكلم حنث وإن جنت هي ثم كلمته‏,‏ لم يحنث لأن القلم مرفوع عنها ولم يبق لكلامها حكم‏.‏

فصل‏:‏

فإن حلف لا يكلم إنسانا فكلمه بحيث يسمع‏,‏ فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث لأنه كلمه وإنما لم يسمع لغفلته‏,‏ أو شغل قلبه وإن كلمه ولم يعرفه فإن كانت يمينه بالطلاق حنث قال أحمد‏,‏ في رجل حلف بالطلاق أن لا يكلم حماته فرآها بالليل‏,‏ فقال‏:‏ من هذا‏؟‏‏:‏ حنث قد كلمها وإن كانت يمينه بالله تعالى أو يمينا مكفرة‏,‏ فالصحيح أنه لا يحنث لأنه لم يقصد تكليمه فأشبه الناسي ولأنه ظن المحلوف عليه غيره‏,‏ فأشبه لغو اليمين وإن سلم عليه حنث لأنه كلمه بالسلام وإن سلم على جماعة هو فيهم وأراد جميعهم بالسلام‏,‏ حنث لأنه كلمهم كلهم وإن قصد بالسلام من عداه لم يحنث لأنه إنما كلم غيره وهو يسمع‏,‏ وإن لم يعلم أنه فيهم ففيه روايتان إحداهما‏:‏ يحنث لأنه كلمهم جميعهم وهو فيهم والثانية لا يحنث لأنه لم يقصده ويمكن حمل قوله في الحنث على اليمين بالطلاق والعتاق لأنه لا يعذر فيهما بالنسيان والجهل‏,‏ في الصحيح من المذهب وعدم الحنث على اليمين المكفرة فإن كان الحالف إماما والمحلوف عليه مأموما‏,‏ لم يحنث بتسليم الصلاة لأنه للخروج منها إلا أن ينوي بتسليمه المأمومين فيكون حكمه حكم ما لو سلم عليهم في غير الصلاة ويحتمل أن لا يحنث بحال لأن هذا لا يعد تكليما ولا يريده الحالف وإن حلف لا يكلم فلانا‏,‏ فكلم إنسانا وفلانا يسمع يقصد بذلك إسماعه‏,‏ كما قال‏:‏ إياك أعني واسمعي يا جاره حنث نص عليه أحمد قال‏:‏ إذا حلف لا يكلم فلانا فكلم إنسانا‏,‏ وفلان يسمع يريد بكلامه إياه المحلوف عليه حنث لأنه قد أراد تكليمه وروي عن أبي بكرة ما يدل على أنه لا يحنث‏,‏ فإنه كان حلف أن لا يكلم أخاه زيادا فعزم زياد على الحج فجاء أبو بكرة فدخل قصره‏,‏ وأخذ ابنه في حجره فقال‏:‏ إن أباك يريد الحج والدخول على زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا السبب وقد علم أنه غير صحيح ثم خرج‏,‏ ولم ير أنه كلمه والأول الصحيح لأنه أسمعه كلامه يريده به فأشبه ما لو خاطبه به ولأن به مقصود تكليمه قد حصل بإسماعه كلامه‏.‏

فصل‏:‏

فإن كتب إليه‏,‏ أو أرسل إليه رسولا حنث إلا أن يكون قصد أن لا يشافهه نص عليه أحمد‏,‏ وذكره الخرقي ‏[‏ في ‏]‏ موضع آخر وذلك لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا‏}‏ ولأن القصد بالترك لكلامه هجرانه ولا يحصل مع مواصلته بالرسل والكتب ويحتمل أن لا يحنث إلا أن ينوي ترك ذلك لأن هذا ليس بتكليم حقيقة‏,‏ ولو حلف ليكلمنه لم يبر بذلك إلا أن ينويه‏,‏ فكذلك لا يحنث به ولو حلف لا يكلمه فأرسل إنسانا يسأل أهل العلم عن مسألة أو حديث فجاء الرسول‏,‏ فسأل المحلوف عليه لم يحنث بذلك وإن حلف لا يكلم امرأته فجامعها‏,‏ لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها قال أحمد في رجل قال لامرأته‏:‏ إن كلمتك خمسة أيام فأنت طالق أله أن يجامعها ولا يكلمها‏؟‏ فقال‏:‏ أي شيء كان بدو هذا أيسوءها أو يغيظها‏؟‏ فإن لم يكن له نية‏,‏ فله أن يجامعها ولا يكلمها وإن حلف لا يقرأ كتاب فلان فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه به حنث لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس‏,‏ فتنصرف يمينه إليه إلا أن ينوي حقيقة القراءة قال أحمد‏:‏ إذا حلف‏:‏ لا قرأت لفلان كتابا ففتحه حتى استقصى آخره إلا أنه لم يحرك شفتيه‏,‏ فإن أراد أن لا يعلم ما فيه فقد علم ما فيه وقرأه‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال لامرأتيه‏:‏ إن كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة رجلا ففيه وجهان أحدهما‏,‏ يحنث لأن تكليمهما وجد منهما فحنث كما لو قال‏:‏ إن حضتما فأنتما طالقتان فحاضت كل واحدة حيضة وكذلك لو قال‏:‏ إن ركبتما دابتيكما فأنتما طالقتان فركبت كل واحدة دابتها والوجه الثاني‏,‏ لا يحنث حتى تكلم كل واحدة منهما الرجلين معا لأنه علق طلاقهما بكلامهما لهما فلا تطلق واحدة بكلام الأخرى وحدها وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي وهكذا لو قال‏:‏ إن دخلتما هاتين الدارين فالحكم فيها كالأولى وهذا فيما لم تجر العادة بانفراد الواحد به فأما ما جرى العرف فيه بانفراد الواحد فيه بالواحد كنحو‏:‏ ركبا دابتيهما‏,‏ ولبسا ثوبيهما وتقلدا سيفيهما واعتقلا رمحيهما‏,‏ ودخلا بزوجيهما وأشباه هذا فإنه يحنث إذا وجد منهما منفردين وما لم تجر العادة فيه بذلك‏,‏ فهو على الوجهين والله أعلم ولو قال‏:‏ إن أكلتما هذين الرغيفين فأكلت كل واحدة منهما رغيفا حنث لأنه يستحيل أن تأكل كل واحدة منهما الرغيفين بخلاف الرجلين والدارين‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق إن كلمت زيدا‏,‏ ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال يكون فيه محمد مع خالد وذكر القاضي أنه يحنث بكلام زيد فقط لأن قوله‏:‏ محمد مع خالد استئناف كلام بدليل أنه مرفوع والصحيح ما قلنا لأنه متى أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى من قطعه والرفع لا ينفي كونه حالا فإن الجملة من المبتدإ والخبر تكون حالا‏,‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏إلا استمعوه وهم يلعبون‏}‏ ‏{‏وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون‏}‏ وهذا كثير فلا يجوز قطعه عن الكلام الذي هو في سياقه مع إمكان وصله به ولو قال‏:‏ إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد فأنت طالق لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال كون محمد مع خالد‏,‏ فكذلك إذا تأخر قوله‏:‏ محمد مع خالد ولو قال‏:‏ أنت طالق إن كلمت زيدا وأنا غائب لم تطلق حتى تكلمه في حال غيبته وكذلك لو قال‏:‏ أنت طالق إن كلمت زيدا وأنت راكبة أو وهو راكب أو‏:‏ ومحمد راكب لم تطلق حتى تكلمه في تلك الحال ولو قال‏:‏ أنت طالق إن كلمت زيدا ومحمد أخوه مريض لم تطلق حتى تكلمه وأخوه محمد مريض‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ إن كلمتني إلى أن يقدم زيد أو‏:‏ حتى يقدم زيد فأنت طالق فكلمته قبل قدومه‏,‏ حنث لأنه مد المنع إلى غاية هي قدوم زيد فلا يحنث بعدها فإن قال‏:‏ أردت إن استدمت كلامي من الآن إلى أن يقدم زيد دين وهل يقبل في الحكم‏؟‏ يحتمل وجهين‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق إن شئت أو‏:‏ إذا شئت أو‏:‏ متى شئت أو‏:‏ كلما شئت أو‏:‏ كيف شئت أو‏:‏ حيث شئت أو‏:‏ إني شئت لم تطلق حتى تشاء وتنطق بالمشيئة بلسانها‏,‏ فتقول‏:‏ قد شئت لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فتعلق الحكم بما ينطق به دون ما في القلب‏,‏ فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم يقع طلاق ولو قالت‏:‏ قد شئت بلسانها وهي كارهة‏,‏ لوقع الطلاق اعتبارا بالنطق وكذلك إن علق الطلاق بمشيئة غيرها ومتى وجدت المشيئة باللسان وقع الطلاق‏,‏ سواء كان على الفور أو التراخي نص عليه أحمد في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وفيما إذا قال‏:‏ أنت طالق حيث شئت أو‏:‏ إني شئت ونحو هذا قال الزهري‏,‏ وقتادة وقال أبو حنيفة دون صاحبيه‏:‏ إذا قال‏:‏ أنت طالق كيف شئت تطلق في الحال طلقة رجعية لأن هذا ليس بشرط وإنما هو صفة للطلاق الواقع بمشيئتها ولنا أنه أضاف الطلاق إلى مشيئتها‏,‏ فأشبه ما لو قال‏:‏ حيث شئت وقال الشافعي في جميع الحروف‏:‏ إن شاءت في الحال وإلا فلا تطلق لأن هذا تمليك للطلاق فكان على الفور‏,‏ كقوله‏:‏ اختاري وقال أصحاب الرأي في ‏"‏ إن ‏"‏ كقوله وفي سائر الحروف كقولنا لأن هذه الحروف صريحة في التراخي فحملت على مقتضاها‏,‏ بخلاف ‏"‏ إن ‏"‏ فإنها لا تقتضي زمانا وإنما هي لمجرد الشرط فتقيد‏,‏ بالفور بقضية التمليك وقال الحسن وعطاء‏:‏ إذا قال‏:‏ أنت طالق إن شئت إنما ذلك لها ما داما في مجلسهما ولنا أنه تعليق للطلاق على شرط‏,‏ فكان على التراخي كسائر التعليق ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة‏,‏ فكان على التراخي كالعتق وفارق‏:‏ اختاري فإنه ليس بشرط إنما هو تخيير‏,‏ فتقيد بالمجلس كخيار المجلس وإن مات من له المشيئة أو جن‏,‏ لم يقع الطلاق لأن شرط الطلاق لم يوجد وحكي عنأبي بكر أنه يقع وليس بصحيح لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه كما لو قال‏:‏ أنت طالق إن دخلت الدار‏,‏ وإن شاء وهو مجنون لم يقع طلاقه لأنه لا حكم لكلامه وإن شاء وهو سكران فالصحيح أنه لا يقع لأنه زائل العقل‏,‏ فهو كالمجنون وقال أصحابنا‏:‏ يخرج على الروايتين في طلاقه والفرق بينهما أن إيقاع طلاقه تغليظ عليه كي لا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه‏,‏ وهاهنا إنما يقع الطلاق بغيره فلا يصح منه في حال زوال عقله وإن شاء‏,‏ وهو طفل لم يقع لأنه كالمجنون وإن كان يعقل الطلاق وقع لأن له مشيئة‏,‏ ولذلك صح اختياره لأحد أبويه وإن كان أخرس فشاء بالإشارة وقع الطلاق لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق‏,‏ ولذلك وقع طلاقه بها وإن كان ناطقا حال التعليق فخرس‏,‏ ففيه وجهان أحدهما يقع الطلاق بها لأن طلاقه في نفسه يقع بها فكذلك طلاق من علقه بمشيئة والثاني‏,‏ لا يقع بها لأنه حال التعليق كان لا يقع إلا بالنطق فلم يقع بغيره‏,‏ كما لو قال في التعليق‏:‏ إن نطق فلان بمشيئته فهي طالق‏.‏

فصل‏:‏

فإن قيد المشيئة بوقت فقال‏:‏ أنت طالق إن شئت اليوم تقيد به فإن خرج اليوم قبل مشيئتها لم تطلق وإن علقه على مشيئة اثنين‏,‏ لم يقع حتى توجد مشيئتهما وخرج القاضي وجها أنه يقع بمشيئة أحدهما كما يحنث بفعل بعض المحلوف عليه‏,‏ وقد بينا فساد هذا فإن قال‏:‏ أنت طالق إن شئت وشاء أبوك فقالت‏:‏ قد شئت إن شاء أبى فقال أبوها‏:‏ قد شئت لم تطلق لأنها لم تشأ فإن المشيئة أمر خفي لا يصح تعليقها على شرط وكذلك لو قال‏:‏ أنت طالق إن شئت فقالت‏:‏ قد شئت إن شئت فقال‏:‏ قد شئت أو قالت‏:‏ قد شئت إن طلعت الشمس لم يقع نص أحمد‏,‏ على معنى هذا وهو قول سائر أهل العلم منهم الشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لزوجته‏:‏ أنت طالق إن شئت فقالت‏:‏ قد شئت إن شاء فلان أنها قد ردت الأمر ولا يلزمها الطلاق وإن شاء فلان وذلك لأنه لم توجد منها مشيئة‏,‏ وإنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط وليس تعليق المشيئة بشرط مشيئة وإن علق الطلاق على مشيئة اثنين فشاء أحدهما على الفور‏,‏ والآخر على التراخي وقع الطلاق لأن المشيئة قد وجدت منهما جميعا‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق إلا أن تشائي أو‏:‏ يشاء زيد فقالت‏:‏ قد شئت لم تطلق وإن أخرا ذلك طلقت وإن جن من علق الطلاق بمشيئته طلقت في الحال لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بشرط لم يوجد‏,‏ وكذلك إن مات فإن خرس فشاء بالإشارة خرج فيه وجهان بناء على وقوع الطلاق بإشارته إذا علقه على مشيئته‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا فلم تشأ‏,‏ أو شاءت أقل من ثلاث طلقت واحدة وإن قالت‏:‏ قد شئت ثلاثا فقال أبو بكر‏:‏ تطلق ثلاثا وقال أصحاب الشافعي وأبي حنيفة‏:‏ لا تطلق إذا شاءت ثلاثا لأن الاستثناء من الإثبات نفي فتقديره‏:‏ أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا فلا تطلقي‏,‏ ولأنه لو لم يقل‏:‏ ثلاثا لما طلقت بمشيئتها ثلاثا فكذلك إذا قال‏:‏ ثلاثا لأنه إنما ذكر الثلاث صفة لمشيئتها الرافعة لطلاق الواحدة فيصير كما لو قال‏:‏ أنت طالق إلا أن تكرري يبمشيئتك ثلاثا وقال القاضي‏:‏ فيها وجهان أحدهما‏,‏ لا تطلق لما ذكرنا والثاني تطلق ثلاثا لأن السابق إلى الفهم من هذا الكلام إيقاع الثلاث إذا شاءتها كما لو قال‏:‏ له على درهم إلا أن يقيم البينة بثالثة‏,‏ وخذ درهما إلا أن تريد أكثر منه ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار‏)‏ أي إن بيع الخيار ثبت الخيار فيه بعد تفرقهما وإن قال‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا أن تشائي واحدة فقالت‏:‏ قد شئت واحدة طلقت واحدة‏,‏ على قول أبي بكر وعلى قولهم‏:‏ لا تطلق شيئا‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق لمشيئة فلان أو‏:‏ لرضاه أو‏:‏ له طلقت في الحال لأن معناه أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو رضيه أو ليرضى به‏,‏ كقوله‏:‏ هو حر لوجه الله أو لرضى الله فإن قال‏:‏ أردت به الشرط دين قال القاضي‏:‏ يقبل في الحكم لأنه محتمل فإن ذلك يستعمل للشرط كقوله‏:‏ أنت طالق للسنة وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق إن أحببت أو‏:‏ إن أردت أو‏:‏ إن كرهت احتمل أن يتعلق الطلاق بقولها بلسانها‏:‏ قد أحببت أو‏:‏ أردت أو‏:‏ كرهت لأن هذه المعاني في القلب‏,‏ لا يمكن الاطلاع عليها إلا من قبلها فتعلق الحكم بقولها كالمشيئة ويحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك‏,‏ ويكون اللسان دليلا عليه فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده وقع طلاقه‏,‏ وإن لم يتلفظ به ولو قالت‏:‏ أنا أحب ذلك ثم قالت‏:‏ كنت كاذبة لم تطلق وإن قال‏:‏ إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار فأنت طالق فقالت‏:‏ أنا أحب ذلك فقد سئل أحمد عنها فلم يجب فيها بشيء‏,‏ وفيها احتمالان أحدهما لا تطلق وهو قول أبي ثور لأن المحبة في القلب ولا توجد من أحد محبة ذلك‏,‏ وخبرها بحبها له كذب معلوم فلم يصلح دليلا على ما في قلبها والاحتمال الثاني أنها تطلق وهو قول أصحاب الرأي لأن ما في القلب لا يوقف عليه إلا من لسانها‏,‏ فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به كاذبة كانت أو صادقة كالمشيئة‏,‏ ولا فرق بين قوله‏:‏ إن كنت تحبين ذلك وبين قوله‏:‏ إن كنت تحبينه بقلبك لأن المحبة لا تكون إلا بالقلب‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق -إن شاء الله تعالى- طلقت وكذلك إن قال‏:‏ عبدي حر -إن شاء الله تعالى- عتق نص عليه أحمد في رواية جماعة‏,‏ وقال‏:‏ ليس هما من الأيمان وبهذا قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول وقتادة‏,‏ والزهري ومالك والليث‏,‏ والأوزاعي وأبو عبيد وعن أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع وكذلك العتاق وهو قول طاوس‏,‏ والحكم وأبي حنيفة والشافعي لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها‏,‏ فلم يقع كما لو علقه على مشيئة زيد وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من حلف على يمين‏,‏ فقال‏:‏ إن شاء الله لم يحنث‏)‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن ولنا ما روى أبو جمرة قال‏:‏ سمعت ابن عباس يقول‏:‏ إذا قال الرجل لامرأته‏:‏ أنت طالق إن شاء الله فهي طالق رواه أبو حفص بإسناده وعن أبي بردة نحوه وروى ابن عمر‏,‏ وأبو سعيد قالا‏:‏ كنا معاشر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نرى الاستثناء جائزا في كل شيء إلا في العتاق والطلاق ذكره أبو الخطاب وهذا نقل للإجماع وإن قدر أنه قول بعضهم فانتشر‏,‏ ولم يعلم له مخالف فهو إجماع ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق‏,‏ فلم يصح كقوله‏:‏ أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا ولأنه استثناء حكم في محل فلم يرتفع بالمشيئة‏,‏ كالبيع والنكاح ولأنه إزالة ملك فلم يصح تعليقه على مشيئة الله‏,‏ كما لو قال‏:‏ أبرأتك إن شاء الله أو تعليق على ما لا سبيل إلى علمه فأشبه تعليقه على المستحيلات والحديث لا حجة لهم فيه فإن الطلاق والعتاق إنشاء‏,‏ وليس بيمين حقيقة وإن سمى بذلك فمجاز لا تترك الحقيقة من أجله‏,‏ ثم إن الطلاق إنما سمى يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن تركه وفعله ومجرد قوله‏:‏ أنت طالق ليس بيمين حقيقة ولا مجازا‏,‏ فلم يمكن الاستثناء بعد يمين وقولهم‏:‏ علقه على مشيئة لا تعلم قلنا‏:‏ قد علمت مشيئة الله الطلاق بمباشرة الآدمي سببه قال قتادة‏:‏ قد شاء الله حين أذن أن يطلق ولو سلمنا أنها لم تعلم لكن قد علقه على شرط يستحيل علمه‏,‏ فيكون كتعليقه على المستحيلات يلغو ويقع الطلاق في الحال‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله فعن أحمد فيه روايتان إحداهما‏,‏ يقع الطلاق بدخول الدار ولا ينفعه الاستثناء لأن الطلاق والعتاق ليسا من الأيمان ولما ذكرناه في الفصل الأول والثانية‏,‏ لا تطلق وهو قول أبي عبيد لأنه إذا علق الطلاق بشرط صار يمينا وحلفا فصح الاستثناء فيه لعموم قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏من حلف على يمين فقال‏:‏ إن شاء الله لم يحنث‏)‏ وفارق ما إذا لم يعلقه‏,‏ فإنه ليس بيمين فلا يدخل في العموم‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت ووافق أصحاب الشافعي على هذا في الصحيح من المذهب لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم وإن قال‏:‏ أنت طالق إن لم يشأ الله أو‏:‏ ما لم يشأ الله وقع أيضا في الحال لأن وقوع طلاقها إذا لم يشأ الله محال‏,‏ فلغت هذه الصفة ووقع الطلاق ويحتمل أن لا يقع بناء على تعليق الطلاق على المحال‏,‏ مثل قوله‏:‏ أنت طالق إن جمعت بين الضدين أو‏:‏ شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه وإن قال‏:‏ أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم تطلق دخلت أو لم تدخل لأنها إن دخلت فقد فعلت المحلوف عليه‏,‏ وإن لم تدخل علمنا أن الله لم يشأه لأنه لو شاءه لوجد فإن ما شاء الله كان وكذلك إن قال‏:‏ أنت طالق لا تدخلي الدار إن شاء الله لما ذكرنا وإن أراد بالاستثناء والشرط رده إلى الطلاق دون الدخول‏,‏ خرج فيه من الخلاف ما ذكرنا في المنجز وإن لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه إلى الدخول ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق‏.‏